الحرب على غزة ولبنان- فرص التسوية وعوائق جمة وآفاق الحلول

المؤلف: عريب الرنتاوي10.05.2025
الحرب على غزة ولبنان- فرص التسوية وعوائق جمة وآفاق الحلول

يرى العديد من المحللين أن الفرص المتاحة حاليًا للتوصل إلى حلول سياسية للأزمات المحيطة بالحربين في غزة ولبنان تبدو أكثر إشراقًا من ذي قبل. ومع ذلك، لا تزال الهوة واسعة بين الأطراف المتنازعة، وتوجد اعتبارات إقليمية ودولية قد تؤثر بشكل إيجابي أو سلبي على جهود الوساطة الدبلوماسية المكثفة، والتي انطلقت هذا الأسبوع في الدوحة، ومن المقرر أن تستمر خلال الأيام القادمة.

ويستند المتفائلون بفرص النجاح إلى سلسلة من التطورات السياسية والميدانية. ففي غزة، لا تزال المقاومة الفلسطينية صامدة وثابتة، وتواصل عمليات استنزاف قوات الاحتلال، رغم الظروف القاسية والمعاناة الإنسانية الهائلة. أما على الجبهة اللبنانية، فقد نجح حزب الله في التعافي بسرعة، وتمكن من تعويض الخسائر في هيكل القيادة والسيطرة، وفي خضم المعارك الشرسة على طول الحدود، واستمرار إطلاق الصواريخ نحو العمق الإسرائيلي. وعلى الصعيد الإيراني، فقد نجحت إيران في استيعاب الضربة العسكرية الإسرائيلية، والتي كانت أقل حدة بكثير مما هددت به إسرائيل، مع الإبقاء على خياراتها مفتوحة للرد.

وعلى الرغم من أن إسرائيل، حكومة وجيشًا ورأيًا عامًا، قد عاشت لحظات من "الزهو بالانتصار والغطرسة بالقوة" بعد سلسلة المكاسب الميدانية التي حققتها، خاصة بعد عمليات الاغتيال التي استهدفت قيادات في حزب الله، إلا أن تطورات الميدان على الجبهات الثلاث قد بدأت تدفع بعض العقلاء إلى تفضيل الدبلوماسية والتوجه نحو وقف الحرب، قبل أن تتآكل مكاسب الميدان في ظل حرب الاستنزاف متعددة الجبهات، والتي تتضمن بين الحين والآخر مفاجآت غير سارة، يتم وصفها في الإعلام الحربي الإسرائيلي بـ "حادث أمني صعب". ووفقًا لمصدر قيادي في المقاومة، فإن هذه الاستراتيجية منسقة بين أطراف "المحور"، وتعتمد على الاستنزاف المقرون بالمفاجآت التكتيكية.

وفي هذا السياق، تبدو إدارة بايدن أكثر تفهمًا ودفعة باتجاه البحث عن حلول ومخارج سياسية، قادرة على ترجمة المكاسب الإسرائيلية في الحرب. كما أن النخب المتزايدة في إسرائيل، وخاصة في المستويين الأمني والعسكري، بدأت تعتقد أن الحرب قد استنفدت أغراضها، وأن إسرائيل تواجه استنزافًا حادًا، وأن العملية في لبنان قد تؤدي إلى تحويله إلى غزة أخرى.

وهذا تطور بالغ الخطورة إذا ما تحقق وامتد في الزمان والمكان، ولا يصب في مصلحة إسرائيل، حتى بعد أن كشفت الحرب عن حقائق جديدة، منها أن إسرائيل باتت مهيأة لحروب طويلة الأمد، بخلاف ما كان يعتقد سابقًا، وأن جبهتها الداخلية أصبحت أكثر استعدادًا لتحمل تبعات الحرب وتكاليفها، خاصة إذا كانت هذه الحرب تمثل تهديدًا وجوديًا، كما يتم وصف أحداث السابع من أكتوبر في الأدبيات الإسرائيلية.

ويسود الاعتقاد لدى الأوساط المتفائلة بقرب انتهاء هذه الحرب، وأن الانتخابات الأميركية، بغض النظر عن نتائجها، ستعجل في وضع نهاية لها. ففي حال وصول كامالا هاريس إلى الرئاسة، ستتكثف الجهود لضمان انتقال سلس للسلطة، في ظل مناخات إقليمية ودولية مواتية، لمواصلة الاهتمام بأولويات الأجندة العالمية لواشنطن، في مواجهة روسيا (أوكرانيا) والصين (تايوان والاقتصاد العالمي).

وفي حال فوز دونالد ترامب، فمن المرجح أنه سيكون أكثر "حزمًا" مع حكومة نتنياهو لوقف الحرب، مع أنه سيكون أكثر "سخاءً" في تقديم التنازلات لإسرائيل، لتسهيل اتخاذ قرار وقف الحرب، طالما أن "التعويض" مجزٍ، وغالبًا ما سيكون من "الضفة الغربية".

وقد بات من المسلم به، حتى من قبل حركة حماس نفسها، أن الحركة لن تعود إلى حكم غزة كما كان عليه الحال قبل السابع من أكتوبر، ولكن من الواضح أيضًا، وهذا ما ستدور حوله المفاوضات والميدان على حد سواء، أن القطاع لن يحكم من دون حماس.

عوائق تعرقل المسار

ومع ذلك، فإن تقديرات المتفائلين، المبنية على معطيات ملموسة، ستصطدم دائمًا بحقائق راسخة على الأرض، تمنعهم من المبالغة في التفاؤل. فمن بين هذه الحقائق، أن تركيبة الائتلاف الحاكم في إسرائيل تمثل عقبة كأداء في وجه جهود التسوية، خاصة وأن اليمين المتطرف المسيطر على زمام الأمور في تل أبيب، لا يزال يعتقد أن لديه فرصة تاريخية نادرة لتحقيق ثلاثة أهداف: حسم الصراع مع الفلسطينيين من خلال فرض الرؤية الإسرائيلية للحل النهائي، وتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، والسعي إلى دور إسرائيلي مهيمن في المنطقة، وتحويل دولها إلى كيانات تدور في فلك المشروع الصهيوني وتخدمه وتحافظ عليه.

يهدف التيار المتشدد أيضًا إلى إعادة بناء الدولة العبرية وفقًا لأسس جديدة، تختلف عما أراده "الآباء المؤسسون" من النخب الغربية، لصالح تيار ديني وقومي يسعى إلى إعادة تشكيل إسرائيل على صورته الخاصة، حتى لو أدى ذلك إلى نشوب أزمات ومشاكل مع الحاضنة الغربية لهذا الكيان.

يخوض هذا التيار الممسك بزمام السلطة في إسرائيل "معركة وجود" على هذه الجبهات الثلاث، ومن السذاجة تبسيط أسباب إحجامه عن اللجوء إلى الدبلوماسية والحلول السياسية، بالقول إن لنتنياهو دوافع شخصية تدفعه إلى المضي قدمًا في خيار الحرب والتصعيد. صحيح أن هذه الدوافع موجودة، إلا أنها وحدها لا تكفي لتفسير "النزعة الحربية" المتزايدة في دوائر الحكومة والائتلاف والدولة العميقة، بل وفي أوساط الغالبية العظمى من المجتمع الإسرائيلي.

وكما فشلت جميع المحاولات السابقة لوقف الحرب الوحشية على غزة أولاً ثم لبنان، فليس هناك ما يدعو إلى الثقة بأن المحاولة القادمة ستنجح حيث فشلت سابقاتها. ولا توجد وسيلة لإنزال هذا التيار "الأغلبي" عن قمم الأشجار التي تسلقها، خاصة بعد نجاحاته السريعة والمذهلة في لبنان، سوى قوة الميدان وحجم الخسائر التي سيتكبدها، وإيصاله إلى حافة اليأس من قدرته على تحقيق "النصر المطلق". وبخلاف ذلك، سنبقى نراوح بين جولات من التفاوض تحت النار، حتى إشعار آخر.

وهناك عامل آخر "غير معلن" يشجع حكومة اليمين المتطرف على المضي قدمًا في حرب التطهير والإبادة، لا يقتصر على قصور وعجز المواقف العربية، الرسمية والشعبية، بل يشمل أيضًا منح أطراف عربية عديدة ضوءًا أخضر لإسرائيل للمضي قدمًا في حرب استئصال فصائل المقاومة في غزة، ولاحقًا (وحتمًا) في لبنان.

ونقول "غير معلن"؛ لأن ما كنا نقدره تقديرًا، جاء به كتاب "الحرب" لبوب وودورد، صراحة، وبصورة موثقة ومدعومة بالمصادر. وما دامت حكومة نتنياهو مطمئنة إلى "سلامة" الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة مع الجانب العربي، وتشعر عن حق بأن قطار التطبيع سيستأنف رحلاته وصولًا إلى محطات جديدة، فلن يكون هناك سبب كافٍ يدفعها إلى الإسراع في التهدئة ووقف حربها المجنونة على لبنان وفلسطين.

صعبة وطويلة الأمد

في ضوء هذه العوامل المتضاربة، سنكون على موعد مع جولات جديدة من المفاوضات "الصعبة" و"الطويلة الأمد"، للتوفيق بين مواقف ومصالح يصعب التوفيق بينها. وستحاول إسرائيل أن تنتزع من حماس والمقاومة بالسياسة ما يوازي مكاسبها في الميدان الغزي، حيث نجحت في إعادة احتلال معظم مناطق القطاع والسيطرة على كامل حدوده ومعابره، وتقترف حرب الإبادة والترويع ضد المدنيين الأبرياء، الحاضنة الشعبية للمقاومة.

صحيح أن الاحتلال لم يستتب بعد في معظم مناطق القطاع، وأن المقاومة للقوات الغازية لا تزال صلبة وقوية، ولكن إسرائيل، ومعها عواصم دولية وعربية، لن تسمح بعودة الوضع إلى ما كان عليه في السادس من أكتوبر، بل وستحاول قدر الإمكان الذهاب إلى أبعد مدى في تحجيم حماس وتحطيم قدراتها على الحكم والمقاومة.

وما بات مسلمًا به، حتى من قبل حماس ذاتها، أن الحركة لن تعود إلى حكم غزة كما كان عليه الحال قبل السابع من أكتوبر، ولكن من الواضح أيضًا، وهذا ما ستدور حوله المفاوضات والميدان على حد سواء، أن القطاع لن يحكم من دون حماس، وأن الحركة ومعها فصائل المقاومة عصية على التصفية والاستئصال. فكيف يمكن ترجمة هذه المعادلة إلى نصوص اتفاق، يمثل التحدي الأكبر للمفاوضين والوسطاء على حد سواء.

وفي لبنان، لا تريد إسرائيل أقل من إبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، وضمان عدم تسلحه من جديد، والمجيء بقوة دولية تشرف على تنفيذ هذين الهدفين، وهي تقترح لهذا الغرض فرض حصار مطبق: بري وبحري وجوي، على لبنان، وتريد استبدال "اليونيفيل" بقوات متعددة الجنسيات، أو توسيع تفويضها وعددها، وتغيير هوية الدول المشاركة فيها.

والأهم من كل هذا وذاك، أنها تريد لجيشها وسلاح طيرانها الاحتفاظ بحرية الحركة و"اليد الطليقة" في البر والجو والبحر، وبما يشبه فرض نظام انتدابي إسرائيلي على هذا البلد. وغني عن القول أنها تريد رئيسًا جديدًا للجمهورية يستجيب لمواصفات آموس هوكشتاين.

مثل هذا التصور للحل على الجبهة اللبنانية لا يمكن أن يكون مقبولًا لحزب الله ولا للثنائي الشيعي، بل إنه في بعض جوانبه مرفوض من قبل قوى وفصائل ليست صديقة للحزب ولا تكن له ودًّا أو محبة. كان من الممكن أن يكون هذا الحل "أمرًا واقعًا" لو أن إسرائيل واصلت تحقيق المكاسب المذهلة والإنجازات الباهرة في لبنان، ولكن مع تعافي حزب الله وميله لإعادة بناء منظومة الردع، وقدرته على استعادة زمام المبادرة، فإن الإصرار على هذه المطالب هو ضرب من الخيال.

ولكن كما هو الحال في قطاع غزة، فإن حزب الله لن يعود إلى دوره المعتاد قبل دخوله في حرب الإسناد في الثامن من أكتوبر، وستكون هناك ترتيبات لوجوده ودوره في جنوب لبنان وشمال الليطاني، ليست مواتية له تمامًا ولا لجمهرة حلفائه..

والمعادلة التي يمكن التفكير بها للبنان هي ذاتها المعادلة 1701، مع تشديد أكبر وشرح أوضح ومراقبة أشد لآليات ترجمتها، خاصة من جانب الحزب والدولة. ولعل ترجمة هذه المعادلة والوصول إلى صيغة تحتملها الأطراف وتستطيع العيش معها، هي التحدي الأكبر الذي يواجه الوسطاء والوساطات، مع فارق لصالح لبنان، أن جبهة داعمي لبنان أوسع وأكبر من جبهة داعمي غزة، وتمتد لعدد أوسع من الدول العربية وفرنسا والفاتيكان وغيرها.

وستستغرق المفاوضات وقتًا يطول أو يقصر، تبعًا لمجريات الميدان، وستكون غرف المفاوضات وموائده صدى للمعارك التي تدور رحاها في الجنوب والقطاع. وستتأثر هذه المفاوضات سلبًا أو إيجابًا، كلما لاحت في الأفق بوادر إسناد من جبهات أخرى، وستتأثر إلى حد كبير بما ستؤول إليه المواجهة بين طهران وتل أبيب. ولهذا، يمكننا توجيه النصح للمراقبين والمحللين، بألا يفرطوا في التفاؤل وألا يقللوا من أهمية الفرص المتاحة، والتي تتوفر لها عوامل نجاح أكثر من سابقاتها. في النهاية، الكلمة الفصل تبقى لميادين المواجهة والقتال.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة